الخطاب الحسيني الشريف في الطف "قراءة في وسائل الإقناع البلاغية"
الكلمات المفتاحية:
الخطاب الحسيني الشريف في الطفالملخص
ـ بعد هذه القراءة المتأنية لخطاب الإمام الحسين a، وما فيه قدرة كبيرة على الإقناع أسفر البحث عن مجموعة من النتائج، أهمها: - لقد أدرك لا ريب من الإمام بفكره الثاقب أهمية توضيح الحقائق وبيان معالم ثورته المباركة من خلال إلقاء الحجة على الخصوم بما تقدَّم من وصف وحوار وبما وهبه الله من نبوغ تمكن من خلاله من تسخير طاقات اللغة العربية والإفادة من البنى التركيبية في إفحام الخصم وإيضاح معالم نهضته المباركة. ليس لمعاصريه وحسب وإنما للأجيال القادمة التي أعطاها دروسا، ومن بينها عصرنا الحالي فنحن أحوج ما نكون لمثال يحتذى في رفض الظلم ومقارعته والثورة عليه مهما علا صوته وكثرت سطوته.- إنَّ أهم ما ميَّز خطاب الإمام الحسين a الآتي: أولاً: فصاحة الألفاظ وبلاغة العبارات والدقة في استعمال كل أسلوب في موضعه بحسب ما يقتضي السياق على وفق مقتضى الحال. ثانياً: كثرة حمد الله تعالى في خطابه بأنواعه المختلفة ومنه الخطاب السياسي فلقد ربط نهجه بالله تعالى، مبينا اتصال خطه الإصلاحي بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبينا صفات الخالق العظيمة وتفرُّده بالربوبية والرضا بما قَدَّرَه سبحانه؛ لتكون مقدمات إقناعية لمن شهد عصره أو من سيأتي من بعده أنَّ أهل البيت d ليسوا طلاب دنيا بل هم قادة روحيون من تمسَّك بهم فقد استمسك بالعروة الوثقى؛ لأنه اختار من البشرالأجدر بالاحتذاء والأطهر بشهادة رب السماء.- استعمال الحجة والدليلين النقلي والعقلي لإقناع السامعين ولاسيما من القرآن الكريم وأحاديث رسول الله i وسلم والأقوال المأثورة والأبيات الشعرية السائرة والأمثال العربية.- استعمال الأساليب البلاغية الإقناعية الأكثر تأثيرا؛ مما يدل على تمكُّنه من ناصية اللغة ومعرفته الدقيقة بأفانينها، ودقَّته في تناول أساليبها. وهذا ما ظهر جليا في أثناء البحث بمباحثه الثلاثة.- إن من يقرأ خطبتي الإمام الحسين a الفرق في أسلوبيهما. ففي خطبته الأولى كان أسلوبه هادئا مرشدا تخلَّلته الحجج والبراهين النقلية والعقلية، منها ما كان نقليا قرآنيا ألِفوه وسمعوه مرارا عند تلاوة من يقرأ القرآن منهم، ومنها ما كان عقليا خاطب ذوي الألباب من خلال أثارته أسئلة تجعل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد متفكرا متأنيا عند سماعه؛ ولم يدخر وسعا في التذكير؛ لكن دعواه لم تلقَ آذانا صاغية فقد طُبع على قلوبهم؛ لذا اختلف أسلوب خطابه في خطبته الثانية بعد أن وثق من عدم الجدوى من هدايتهم، وبانت ألفاظه الشديدة ذات الجرس القوي التي تنمُّ عن شدة تناسب هول الموقف وبرز فيه الوعيد الشديد بإذلالهم وإهلاكهم كما فعل بالأمم التي كذبت الأنبياء d فجعلهم الله أحاديث ومزَّقهم كل ممزَّق.- لقد ظهرت الآيات القرآنية الكريمة في جميع خطابه لتفصح عن مدى ارتباطه بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقد طعم كلامه بكلام الله حتى لا فكاك له منه.- استثمر الإمام الجانب التنغيمي من خلال الإفادة من أساليبه المتمثلة في السجع والجناس الناقص والتكرار الصوتي واللفظي والجملي؛ ليجعل التكرار وسيلة لترسيخ الفكرة التي يتحدث عنها. - سخَّر الإمام قدرته البلاغية وسرعة بديهته ومبلغ علمه في كشف زيف إدعاءات خصومه و إظهار الحقائق التي حاول الأعداء التعمية عليها وإزالة التعتيم الإعلامي عن شخصيته وإبداء صورتها الحقيقية للناس ليعرفوا معادن الموجودين على الساحة السياسية فميزوا الخبيث من الطيب.- أفاد الإمام الحسن المجتبى - a - من طاقات اللغة ووسائلها الإقناعية التركيبية والبيانية والبديعية على حد سواء.- أفاد الإمام من الموازنة بينه وبين خصمه في خطابه السياسي مما رسم صورته الإيجابية الناصعة التي تمثل خط الالتزام بالمبادئ والقيم بمقابل صورة خصمه التي هي على الضد من صفاته فكان سمو الإمام عاكسا لدنو خصمه نتيجة تلك الموازنة، مستثمرا تقنية الإجمال والتفصيل التي أثارت عنصر المفاجأة لدى المتلقي؛ لتثيره في الإمعان في الاستماع والإنصات لحجج الإمام a.- أبرزت معركة الطف الشخصية الفريدة الحسين a في شدة بأسه وشجاعته، وفي عمق تعبُّده وفهمه للدين الحق الذي أنزله إلى المعاملة والتطبيق، والى مقدار ما تحلَّى به من الخلق الرفيع الذي استحق به وبما وضعه الله فيه من المؤهلات من علم وحلم وحنكة ونباهة ودراية وغيرها أن يكون سيد شباب أهل الجنة ورابع أهل البيت d الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرا. - يتضح للمتأمل أن ثورة الإمام a ليست صرخة في واد، بل هي جذوة في قلب كل مؤمن رافض للظلم والعدوان في وجه التعسُّف والطغيان وهي شعلة تنير دروب الأحرار في كل مكان من الأرض.