الاستبصارُ بالحسينِ دُستور حياةٍ وسفينةُ نجاةٍ

المؤلفون

  • د. جنان ناظم حميد

الكلمات المفتاحية:

الاستبصارُ بالحسينِ دُستور حياةٍ وسفينةُ نجاةٍ

الملخص

على الرغم من كثرة ما كُتب في ثورة الإمام الحسين a عبر القرون من مطولات ومختصرات لم يزل ملفّ الطفّ مفتوحا إلى اليوم أمام المفكّرين والباحثين، مازالت الأرضُ كربلاء ومازال اليوم عاشوراء، وما زالت المأساة ذاتها تتجدَّد بتجدُّد الزمان واتّساع المكان، وكان المنهج السائد الذي اختطّه كل مفكّر أو باحث أن يتمسّك بغصنٍ من شجرة الحسين a المونقة يُفرغ الجهد والوقت في وصفه وتحليله ثم يقرّ في ختم رحلته بقصوره عن إدراك كنه الفكرة وشعوره بلهفة عارمة إلى المزيد في الموضوع نفسه الذي أمضى سنوات يكتب فيه. ولذا لم تزل أغصان شجرة الحسين a غضّة كلها لا أحد يزعم أنه أنفد رحيقها في يراعه فلم يدَعْ لغيره ما يستقي منه. وفي هذا البحث أحاول التمسك بغصن غضّ من شجرة الحسين a لم يفصّل القول فيه كثيرا في حدود علمي القاصر عن جامعة الحسين a، فاخترت ظاهرة الاستبصار بنور أبي الأحرار التي شاعت في زماننا على نحو ملحوظ لمّا أصبح العالم قرية واحدة حيث القنوات الفضائية ووسائل الاتصال السريعة، ولذا أقبل أولو النهى إلى الحسين a بعد أن نأت بهم سبل الجهل عنه. ولأهمية هذه الظاهرة في هداية الناس إلى أهل البيت وانطلاقا من تجربة شخصية في التحول المذهبي ركّزت على نقطة منهجية رأى المستبصرون - وأنا معهم - أن لها وقعا شديدا على ناكبي طريق الحسين a فرغبت في التحريض على جلائها والحثّ على نشرها بين المعاندين لاستنقاذهم من جهلهم بالحسين a رحمة بأنفسهم أولا ودرءاً لشرهم المتربّص بالمقبلين على الحسين a ثانيا، وتلك النقطة التي تقف عائقا أمام استبصار الناس بالحسين a هي الجهل نفسه، فهذه الآفة القاتلة كانت تهيمن على فكري إلى درجة أنني كنت أتمنّى أن أقتل حاملي رايات الحسين a في أربعينيته لما أراهم سائرين في طريق ذهابي إلى كلية الشريعة في نهاية التسعينات لأنني سلَّمت عقلي لـ (الحملة الإيمانية) التي نهض بها البعثيون والسلفيون معا كتفا بكتف في الكليات العراقية ذات الصبغة الدينية فضلا عن جوامع الضرار التي انتشرت في معظم أزقة بغداد وأحيائها في تلك الحقبة، وحينئذ غُذّيت أن للكفر أنماطا منها لبس السواد على الميت والبكاء عليه وشدّ الرحال لزيارة قبره والتوسل به وبناء القباب عليه. وقد شاء الله تعالى وحمدا على مشيئته أن أهتدي إلى صراط أبي الأحرار بعد أن استمعت إلى القليل من أخبار مأساته كانت كافية لصعق الكيان والوجدان، وحينها قلت في نفسي: إذا رأيت محتضرا على فراشه يومئ إلى خزانة وبيده مفتاح، ثم فارق الحياة، فماذا تفعل؟ ألست تأخذ مفتاحه وتقرأ وصيته بعد فتح الخزانة لتعلم ماذا يريد أن يقول لك؟ خرج الحسين a بالذرية الطاهرة كلها من رجال ونساء وأطفال مع قلّة الناصر وخذلان الشاهد وضعف العدة وعلم بنكث المكاتبين واجتماع المعادين ألوفا مؤلّفة لاستئصاله وذريّة النبوّة. فهل بخروجه كان متسرّعا -على ما وصفه المبطلون- أم أراد استنقاذنا من جهلنا لنسأل عمّا وراء هذا الإصرار والإقدام على معركة خاسرة وأسرة مقتولة وذرية مسبيّة أقر هو بمصيرها المحتوم قائلا: "شاء الله أن يراني قتيلا وأن يراهن سبايا". هل أراد الحسين a بهذه التضحية إن يكشف ظلما وقع وارتدادا سبق؟ أم إن القضية كلها منحصرة بشاب من أبناء الطلقاء ملعون غيّر وحرّف وجاهر بفسق وكفر؟ وهل أتى يزيد من العدم أم ان أباه أوصى له؟ ألم يكن يزيد ابنا لمعاوية؟ وهل معاوية هذا وليد صحبة أم طليق أسلم قهرا؟ فلماذا يؤمّر الطلقاء ويترك السابقون من المهاجرين والأنصار؟ أليست إمرة المسلمين إرساءً للدين بحَمَلة الدين أم استئثارا وتسلّطا؟ هل السنون الخمسون بعد وفاة الرسول i إلى ذبح الحسين a عطشان كانت خير السنين أم أعجفها على الأمّة الإسلامية؟ عن ماذا تريدنا أن نبحث يا ابن رسول الله i؟ ولماذا صنعت بدمك مفتاحا يحرك التساؤلات الكثيرة في عقول الأجيال؟ أتريدنا أن نبحث في تلك السنين؟ نقلبها ونرى أحقا كانت سمانا أم باطلا تلقّفناه على تناقضاته؟ لقد أراد المترضُّون على معاوية إبعادنا عن النظر إلى هذا المفتاح حتى لا نعرف الحقائق ونفهم ديننا كما أراد له الخالق تعالى، وذلك بافتراءات شتى كلها تراهن على جهل المخاطب وغفلته عن النهج الحسيني القويم. وفي هذه الآونة - التي تحكم فيها الانقلابيون الجدد بأجزاء واسعة من العراق والبلدان الإسلامية ليشيعوا ثقافة القتل والذبح والخطف والسبي والتهجير والتجهيل والتكفير لبني آدم قاطبة وكل ذلك باسم الإسلام المحمدي الحنيف - ينكشف شيئا فشيئا لأُلي النهى زيف التاريخ ونفاق المنافقين والردة الكبرى، فدواعش اليوم هم أنفسهم دواعش الأمس وشتان بين إسلامهم وإسلام آل محمد. لقد استظل الدواعش بالسقيفة المشؤومة التي امتدّ سقفها واشمخرّت أعمدتها مع فشوّ الجهل بين الناس بآل البيت. فينبغي أن يكون الهدف الأسمى أمام الحسينيِّين هو تقطيع أوصال تلك السقيفة المشؤومة وتعرية أصنام قريش الذين استظلوا بها ابتداء فكانوا سببا للضلال والتضليل.

التنزيلات

منشور

2017-10-24