نهضة الإمام الحسين عليه السلام إشكالية الحدث والمكان
الكلمات المفتاحية:
نهضة الإمام الحسين عليه السلام إشكالية الحدث والمكانالملخص
كانت الأمة الإسلامية بحاجة لرجل مثل الإمام الحسينa، ولثورة مثل ثورته، تقض مضاجع الظالمين، وتوقظ الأمة من سباتها.فقد وضع الحسينa في استشهاده العظيم قانونا للشعوب التي ترفض الانصياع للظلم، وتأبى إلا أن تكون لها الحرية والكرامة والقضية، ومازال دمه الثائر يطارد الطغاة، ويدك عروش الظالمين في كل زمن( ).وقد يسأل سائل لماذا لم يثر الحسين زمن معاوية، والظلم نفسه الظلم، بل إن معاوية هو الذي أسس ليزيد، ومهد له السبيل ليرتكب ما ارتكب في كربلاء، وفي مدينة رسول الله، وضرب الكعبة المكرمة؟وقد اجبنا عن هذا السؤال بما تيسر لنا بعد أن اطلعنا على المصادر، ودققنا فيها، واستشرفنا نفسية الثائر على الظلم والعدوان، إن الإمام a كان ثائرا زمن معاوية، وان لم يعلن الثورة بشكل رسمي لعدم نضج الظروف، ولما أحاط معاوية نفسه من قدسية المنصب الذي استولى عليه بالقهر والغلبة، فأصبح في نظر العامة من المسلمين خليفة شرعيا، فلو أن الإمامa أعلن ثورته، فإن الضرر الذي سيلحق شيعته وأهل بيته سيكون فادحا، بل إن معاوية لن يبقي أحدا على الأرض يلهج باسم أمير المؤمنين عليa، مما يؤدي إلى نسف مبررات الثورة، كما ينسف كل تضحيات وآلام الإمام الحسن المجتبىa التي تجرعها، وهو يوقع وثيقة الهدنة مع معاوية.وقد يسأل سائل آخر: ومتى نضجت الظروف للثورة حتى نهض الإمام الحسينa، ولم يكن معه إلا بضع عشرات من الناس؟نقول إن إنضاج الظروف لا يرتبط بعدد الأنصار والمؤيدين فحسب، وإنما يرتبط بشكل أساس بتبلور الوعي السياسي لدى العامة، ومدى تقبلها لفكرة الثورة، واتخاذها نبراسا ومقياسا ومنهجا في رفض الظلم والجبروت، وقد أصبح الجو مهيئا لتقبل فكرة الثورة التي نادى بها الإمامa واستيعاب مبادئها، لذلك أعلن ثورته والتي رسخت في النفوس والقلوب إلى اليوم.فرسل أهل الكوفة وكتبهم ما هي إلا إفرازات لبيئة ثائرة رافضة للظلم، وهم وإن لم يفوا بوعودهم خوفا من السلطة، أو طمعا بهباتها، لكن هذا لا ينفي عن هذه البيئة ثوريتها ورفضها، وأنها كانت مهيأة لتلقي الثورة واحتضانها، وكان اختيار الإمام الحسينa مدينة الكوفة عاصمة لثورته اختيارا موفقا، فهي أنسب بقاع الأرض للثورة، وهي الحاضنة المثالية التي أبقت على دفء الثورة، وأوصلتها إلى يومنا هذا لهيبا مستعرا، وجمرة لا تنطفئ في قلوب الأحرار، ونبراسا لمقارعة الظلم، ودرسا للتضحية من اجل الدين والكرامة الإنسانية.ولهذه الأسباب نزل الإمام الحسينa إلى ميدان الحق ليمارس دوره قائدا تاريخيا؛ لينتشل الأمة من واقعها المرير، وليعيد للإسلام سيرته الأولى.لم يكن الحسينa يطمع بالنصر، وهو يقابل بهذه القلة القليلة تلك الجيوش الجرارة التي تفتقد شرف العسكرية، بل إنه كان يتوق لينثر دمه على أرض كربلاء؛ لتزهر أجيالا من الأحرار الثائرين الذين يضعون الحسينa أمامهم، وهم يقارعون الظلم أينما وجد على هذه الأرض، وفي أي زمان كان.وقد كان يدرك أن التوازن العسكري مفقود، وأن نصيبه وأهل بيته وأصحابه سيكون القتل والتمثيل، إلا أنه أصر بكل عنفوان الإصرار على المنازلة، لكنهa بنزوله إلى هذا الخطر العظيم، وتحمل نتائج هذا السلوك الرجولي المؤمن، أثبت أن الخصائص الأساسية للدولة الإسلامية هي رأس مال الأمة الإسلامية، الذي إن ضحى المؤمن برقبته وأسرته وأهله وعياله في سبيل الحفاظ عليه لا يكون قد عقد صفقة خاسرة(127).