قراءة نفسية لأحاديث الامام الحسين عليه السلام في واقعة الطف

المؤلفون

  • حيدر كريم سكر

الكلمات المفتاحية:

قراءة نفسية لأحاديث الامام الحسين عليه السلام في واقعة الطف

الملخص

في البداية لابد من وصف عام للشخصية من حيث توافقها وعدم توافقها والمعروف في الدراسات النفسية ان الشخصية غير السوية هي تلك الشخصية التي تعاني من الاضطراب والمرض ومن عدم القدرة على التعايش مع الاخرين بصورة طبيعية، في حين ان الشخصية السوية هي الشخصية الطبيعية المتزنة المتوافقة القادرة على الانفتاح والتعايش مع الاخر بصورة طبيعية، إذ يتضمن مفهوم الشخصية ثلاثة عناصر من خواص الإنسان، وهي افكاره واحاسيسه وسلوكه، ولكل فرد نمط خاص في التفكير والإحساس والسلوك، سببه اختلاف العوامل الجينية الموروثة وعوامل البيئة الاجتماعية والثقافية التي تؤثر في التفكير والإحساس والسلوك، وبذلك ينفرد كل شخص عن الأخر بمجموعة متميزة من الخصائص والخصال والسمات وانماط السلوك ذات الطابع الدائم والمستمر التي ترافقه طوال حياته ما لم يحدث طارئ يغير نمط شخصيته. وتتميز الشخصية السوية عن الشخصية المضطربة بقدرتها على المرونة في التفكير والإحساس والسلوك في المواقف الاجتماعية والشخصية المختلفة، يعني ذلك ان الشخص يكون قادرا على الاستفادة من خبراته السابقة في تغيير آرائه واحاسيسه وانفعالاته وسلوكه عندما يحصل على معطيات جديدة تبرر ذلك التغيير، وبذلك تمكنه المرونة هذه ان يتعايش مع الأخرين ويتفاعل معهم وان يعبر عن افكاره واحاسيسه وسلوكه بطريقة مقبولة من جانب الجماعة التي يتعايش معها، وان يفكر ويتصرف بطريقة يمكن توقعها في مواقف مختلفة، مثلا يغضب في موقف مثير للغضب، او يخجل في موقف يستدعي الخجل.على هذا الاساس، فإذا ما اردنا دراسة نمط الشخصية فإننا نقف امام نمطين من الشخصية احدهما يمثله مسار الامام الحسين a وهو الشخصية السوية السليمة المتزنة المشبعة بالإيمان نتيجة ما توارثه من خصائص وصفات كونه سليل بين النبوة وكذلك ما اكتسبه من صفات سلوكية كونه تعلمها من التنشئة التي نشأ عليها في حجر النبي (عليه افضل السلام والسلام) وابيه الامام علي a وامه الصديقة فاطمة الزهراء J فهذه المدرسة التي نشأ فيها، يقابله في الجانب الاخر معسكر يزيد وما يحمله هذا المعسكر من خصائص غير سوية بالاضطراب وعدم السواء وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال التركيز على ما قاموا به من سلوكات وافعال غير سوية وفق ما تنقله كتب التاريخ.ووفقا للدراسات والابحاث النفسية فإن الشخصية الانسانية تتأثر بعاملي الوراثة والبيئة وما يولد الشخص وهو مزود به من امكانات وتؤديه البيئة من دور في هذه الاستعدادات والامكانات، ومن هنا يمكن القول ان الامام الحسين a وفقاً لنشئته قد، عد الروح الاجتماعية التي تسود طبيعة المجتمع وتشكيله من الجوانب المهمة التي تعمل على تأصيل العلاقة بين الافراد، كما أن التغيرات الطارئة التي تحدث في المجتمع قد تقود إلى التدهور والانحدار، لهذا كان انتقال الحكم إلى بني أمية واغتصابه عنوة وتوارثه من معاوية إلى يزيد، وخلال عشرين عاماً من الامور التي ادت إلى انحدار كل الحياة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي حديث التكوين، والذي بناه الرسول المصطفى i فعودة الجاهلية من جديد بثوب ألبسه بنو أمية على البلاد الإسلامية بعد أن هدمه النبي في دعوته الإسلامية واستبدله بمجتمع القيم الإسلامية، وعودة العصبية من جديد كما أظهرها حكام بنو أمية في عصبيتهم لبني جلدتهم، يعد السبب الاجتماعي الأكثر طغياناً ودافعاً منذ البداية، فالحسين ثار من أجل القيم الإسلامية والشعب المسلم، لقد ثار على يزيد باعتباره ممثلاً للحكم الأموي، هذا الحكم الذي جوع الشعب المسلم، وصرف أموال هذا الشعب في اللذات وشراء الضمائر، وقمع الحركات التحررية، هذا الحكم الذي اضطهد المسلمين من غير العرب وهددهم بالإفناء، وفرق وحدة المسلمين العرب، وبث بينهم العداوة والبغضاء، هذا الحكم الذي شرد ذوي العقيدة السياسية التي لا تنسجم مع سياسة البيت الأموي وقتلهم وقطع عنهم الأرزاق، وصادر أموالهم، هذا الحكم الذي شجع القبيلة على حساب الكيان الاجتماعي للأمة المسلمة وقتل كل نزعة إلى التحرر بواسطة التخدير والدعاية الكاذبة، كل هذا الانحطاط ثار عليه الامام الحسين الشهيد. إن ثورة الحسين a لم تكن أحادية الجانب لا بالمعنى ولا بالمبنى حيث أن معانيها استمدت من الرسالة السماوية وتعاليمها الإلهية، فهو حمل معاني القيم الإنسانية مجتمعة في الدين الإسلامي الحنيف النقي دون التخدير الكاذب كما فعل بنو أمية، عندما حكموا الناس باسم الدين وقاوموا أي تحرك يقوم به الناس باسم الدين أيضاً، أما في مبناه، فقد بنى الإمام الحسين a دعوته للثورة على امتداد مبدئية والده الإمام علي بن أبي طالب a. إن الإمام الحسين a هو الامتداد الطبيعي لمنهج آل البيت d في التكوين والنشأة، ووجوده كان مكرساً لبسط سيادة قيم هذا الخط على عامة الناس من خلال ما يقوله وما يدعو إليه، فهو على حق بكل ما يدعو إليه وبكل ما يقوله، فهو يدعو إلى تصحيح مسار الحياة السياسية والاجتماعية، فكان الإمام الحسين a هو الرجل الذي يستطيع أن يثبت على تعاليم النبي الأكرم i دون رياء أو تحريف أو مواربة، وهو القادر على تجسيد مبدئية الامام علي بن أبي طالب a وهو القادر بأن يفضح الحكام الأمويين ويكشف زيفهم، وأن يتوجه للشهادة طوعاً وبعزم أكيد ضد دولة الظلم والكفر والعدوان إن ثورة الإمام الحسين ثورة أصحاب الحق الذين باتوا غرباء مضطهدين.من خلال ما تقدم يمكن القول توصيف نمط الشخصية التي اتصف بها الامام الحسين a هنا بما تحمله من صفات وخصائص منها الايثار والتضحية هي من نمط الشخصية المُصلح، والعمليات النفسية التي يتصف بها هذا النمط هي الموضوعية والمسؤولية الاجتماعية، كما ان الكوامن الايجابية في هذا النمط من الشخصية في الاعتدال وما يمليه عليه ضميره والضبط الذاتي، وإذا ما أردنا النظر إلى ما قام به الامام الحسين a من دور فأن الكوامن الايجابية لشخصية الامام تتوافق مع الكوامن الايجابية لنمط الشخصية المصلح، يضاف إلى ذلك ان المجتمع وافراده في تلك الفترة لم ينصروا الامام a وتركوه واهل بيته وحيداً يواجه طغياناً كبيراً تحركه نوازعه الشريرة، ووفقاً لنمط الشخصية المصلحة التي ينتابها الاحباط من كونها قد فقدت الصورة المثالية للمجتمع الذي امامها وهذا ما كان يراه الامام الحسين a من ان المجتمع قد فقد صورته المثالية والكمالية التي كان يتوق اليها، فكل ما يحيط به لا يتناسب والمعايير القياسية التي يحملها ويؤمن بها، وبالتالي فان العالم المحيط به لم يكن متسقاً لهذا فأن استشهاد الامام الحسين a يمثل تصدع في نفس كل مسلم غيور، رفض ويرفض الذل والمهانة، فهي واقعة خسر الامام الحسين a أهله وعشيرته من أجلها، ولكنه علّم الكون كيف تكون قوة المبادئ، وقوة الإرادة، فمحي أثر يزيد بعد أن عاش مهووساً (مرض الهوس) بمقتل الحسين، وعاش اللوثة العقلية في حياته بفعل ما اقترفه من ذنب، وانمحى أثره بعد موته، وظل الحسين شاخصاً بذكراه عبر القرون، ذكرى تظل تتجدد عبر العصور.كذلك يمكن القول أن شخصية الامام الحسين a تتميز بنمط الشخصية المؤمن, إذ تتحلى شخصيته a بأعلى الدرجات في السمات التي تتألف منها نمط الشخصية المؤمن وهي (العلم, والحلم, والسماحة, والشجاعة, والفصاحة, والمحبة في قلوب الإنسانيين), إذ أنه اكتسب من أبويه أعلى المراتب في سمات الطاعة والإخلاص لله سبحانه وتعالى, والحكمة والغبطة, والإيثار, والصبر, والتواضع, والصدق، وكل سمة من هذه السمات ينضوي في داخلها العديد من السمات السوية, والأفعال السلوكية الهادفة إلى نشر الخير لجميع الكائنات.

التنزيلات

منشور

2017-10-29