طبقة الفقراء والمساكين على طبق من ذهب لدى الإمام الحسين عليه السلام
الكلمات المفتاحية:
طبقة الفقراء والمساكين على طبق من ذهب لدى الإمام الحسين عليه السلامالملخص
تبيّنَ لنا فيما سبق أنّ الإمامَ الحُسَيْن كانَ مُعجزًا بفعالِهِ، فمعَ ضراوةِ أفعالِ الأعداءِ اتجاهه والتعتيم على فضله وصل الينا عنه موروث روائيّ مبارك تسجد له أقلام الحقيقة، ومع أنّ الاعداء منعوا النّاس من رواية شمائله لكنهم نشروا في بعض خطاباتهم فضائله على رغم أنوفهم، وأعجبْ بمدح جاء على لسان المناوئ اللدود، وأعجب بسيرة نقلتها العامة والخاصة على الرغم من شدة الخطوب حتى وصل ما يبين العظمة الحُسَيْنيّة الّتي نكست تلك الاقلام المأجورة والمغرورة؛ فالخفافيش لا يمكنها يومًا أنْ تعيشَ تحت أشعّة الشّمس، وإذا كانت الأمويّات جرحت التأريخ جرحًا أعمق من الاسرائيليات فان فيما وصل يمكننا ان نقرن بعضه ببعض ونسقط ما خالف الحقّ، فنهذبه ونشذبه كي يلأم الجرح، ويذهب زبد الأمويّات جفاء.وبعد تلك النزهة في رياض الرّحمة المتفانية، وصل البحث إلى مجموعة من النّتائج والمقترحات، نجملها بالآتي:النتائج: ان مساعدة الطبقة الضعيفة كانت من أوليات الإمام الحُسَيْن، بل كانت إحدى الدّوافع وراء القيام بثورة تجاوزت الأزمان وتعدّت الحدود حتى أدلى هذا أن هناك تواشجا بين اسم الامام الحُسَيْن وبعض القابه من جهة وأفعاله الخيرية من جهة أخرى، فلقد تواشجا بالحسن والطيبة. انّ الأسير الذي يراه الآخر ممّا يجب إثخانه والتنكيل به إنّما هو مردود بحجّة ما جاء عن أهل البيت، وتلك الرّواية التي يذكرونها هي من الألاعيب التي قام بها المحرفون، وإذا كان الدواعش والمتطرفون قد تبنوا جواز قتل الأسير مُحتجين بتلك الرواية، فإنما هو أثم كبير تصوروه حسنة، والله يقول: [أَفَمَن زيِّنَ لَه سوء عَمَلِهِ فَرَآه حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يضِلّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعونَ] (فاطر: 8). إن ظلم الولاة يولد تفشيًا في الفقر والعوز بل يمكن القول: إنّ هناك علاقة طردية بين جشع الولاة أو المسؤولين وكثرة الفقراء والمساكين فكلما كثر الأول كثر الثاني، وهذا يحتِّم على ذوي الصلاح أنْ يمارسوا إصلاحهم جهد الإمكان. مع أنّه لا بد من مساعدة الضَّعفة إلا أنّه لا بد من التّأكّد أنّ من توجَّه له المساعدة ضعيف حقّا قدر الإمكان من أجل أن لا تتشظى تلك الفضيلة بتسرب المكّارين في تلك الطبقة. الأرامل والأيتام والفقراء وذوي الحاجات الخاصة (العمى والبكم والزمنى) هذا المفاهيم كان لها صدى كبيرًا في ذهن الإمام الحُسَيْن وفي أفعاله، وهذه رسالة إلى العالم أجمع أن ابن الإسلام الإمام الحُسَيْن بقلبه الواسع الرحمة أبان أنّ الإسلام الحقيقي هو ذلك الإسلام الرائع الذي يسعى لخدمة الضعفة جميعًا. إنّ عمل الخير لا بد أن يكون سريًّا على النحو مما كان قد فعله سيد الشهداء في الدياجي المظلمة، وقد عبر الإمام السجاد عن الأثر الذي وجد فيه: ((هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين))( )؛ ولأنه اثر فيه فهذا يدل على أن الإمام الشهيد مارس هذا الفعل مرارا وتكرارا، على ان عمل الخير قد يفشو بحكم أنّ الريح العطرة تتلاشى إذا ما كسرت زجاجتها، فرب عمل سري مصيره العلانية. وفي ضوء الاقتداء بالنهج الحُسَيْنيّ ينبغي ان تكون مساعدة الفقراء والمساكين خالصة لوجه الله تعالى، ولا تكون لغرض منفعة سياسية او وجاهة شخصية لأن في ذلك تشويه للإسلام وربّما اهانة لتلك الطبقة لأنها ستجد الكاميرات تفترسها لأجل أن تشبع دعاياتها النفعية. لا تكون مساعدة الفقراء بالمال فقط بل لا بد من حفظ كرامتهم، ولأن الإمام الحُسَيْن عرف بمساعدته للأيتام ولا سيما لأبناء شهداء صفين فهذه رسالة قوية إلى ضرورة الاهتمام بالأيتام ولا سيما أيتام شهداء الحشد الشعبي. اهتم الإمام بمستقبل الضعفة وعمل على أن يكون مستقبلا واعدا بخير وأمان. لغة العطاء الحُسَيْني ضربت أبرع أنواع النبل الإنساني فكانت خير سفير إلى قلوب ذوي الفاقة، بل يمكن القول إن عوامل الأنس في هذه اللغة يمكن أن تكون محل دراسة. رأينا فيما سبق عظمة الإنسانية في السيرة الحسينيّة، فكانت رسالة ترجمت لنا أن نجدّ ونجتهدَ ونكافحَ في خدمة الفقراء والمساكين انطلاقــًا من التّحلّي بالخُلق الحُسَيْنيّ، ولا يتأثر معوانٌ بعذل العاذلين، لأنه قد يُلام المُحسن على إحسانِهِ، ولكن عليه ألّا يجعلَ اللوم أو العذل سبيلًا إلى قطع سبيل معروفهِ، فلم تكن معاتبة الإمام الحُسَيْن a في يومٍ منَ الأيّام سببا لوأد إحسانه، وقد رأينا فيما سبق رده للعذل الّذي تلقّاه نتيجةَ تحرير الجارية التي أهدت له طاقة ريحان مثلما رأينا دحضه الاستغراب من إحسانه الكبير الذي وجهه إلى عبدالرحمن الضرير. كثير من تلك الروايات التي بينت فضل الامام الحسين ومكانته في الاكرام كانت مروية من طريق ابناء العامة من مثل الرازي وابن حزم وشيخ الشافعية الموصليّ والسيوطي ومن طريق المعتزلة من مثل ابن ابي الحديد بل انّ من الاشادة بفضله ما كان على يد مناوئيه على النّحو من معاوية والشاعر ابن الحكم وعمرو بن سعد وحتّى على لسان قاتله.
